هؤلاء أخبروا الحسن الثاني بانقلابي أوفقير و المذبوح قبل حدوثهما

 

 

.

هؤلاء أخبروا الحسن الثاني بانقلابي أوفقير و المذبوح قبل حدوثهما

<p>الـ 16 من غشت من سنة 1972، هو يوم استثنائي في التاريخ الحديث للمغرب، بعدما نجى الملك الراحل الحسن الثاني بأعجوبة من محاولة اغتيال نفذها الجنرال القوي المقرب منه محمد أوفقير، بعد سنة فقط من فشل انقلاب الصخيرات الذي قاده الجنرال المدبوح و محمد اعبابو، وبين غشت 1972 و غشت 2017، مرت الكثير من الأحداث التي طبعت المملكة، غير أن الكثير من جيل اليوم، يجهل معطيات كثثيرة عن انقلاب الجنرال القوي محمد أوفقير، وسنعود في "الأيام 24" بقرائنا 46 سنة إلى الوراء لنكشف لكم خبايا و أسرار انقلاب 1972. </p>
<p> <br />هذه معلومات حول المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين في مذكرات «أيام زمان» للإعلامي الصديق معنينو، وهي معلومات تم تجميعها من مصادر قريبة من سلطة القرار روتها بدقة وأريحية، ورغم غناها ودقتها فلازالت هناك "مناطق ظل" وجملة أسئلة، وقد  ظل اللغز المحير في هذا الموضوع هو  الموقف الغريب للملك، فبعد أن تم إبلاغه من قنوات مختلفة بأن أوفقير يعد  لانقلاب عسكري... لم يتحرك الحسن الثاني، ولم يقم ببحث عميق، ولم يبعث بلجان مراقبة وتفتيش، ولم يتخذ الاحتياطات الضرورية الأمنية منها والعسكرية... فماذا أصاب الحسن الثاني وهو المعروف بذكائه وسرعة ردود فعله وقدرته على الحسم السريع؟ هذا السؤال أساسي ومحوري، يؤكد مدى قدرة أوفقير على اللعب على الحبلين والتأثير على الملك وعلى محيطه والاحتفاظ بالمبادرة. وبقدر ما كان يحكي أوفقير عن  شجاعته في الحروب التي شارك فيها، بقدر ما كان يخفي ويكتم علاقاته بالإقامة العامة أيام "جوان"، و"كيوم" و" بن عرفة"... ورغم كل هذه العوامل وضع فيه الحسن الثاني ثقته الكاملة ووهبه مفاتيح قلبه وقصره، وجعل منه فزاعة يخيف بها أصدقاءه قبل خصومه.<br /> <br />ما يجمع بين الجنيرالين أوفقير والمذبوح  هو شعور بالذنب لأن عائلتيهما شاركتا في القضاء على المد التحرري الوطني، وتعاونتا مع الاحتلال الفرنسي والإسباني ضدا على المقاومة الوطنية، كانت هذه المرجعية نقطة ضعف استغلها" المخزن" لتقريبهما وحمايتهما وإخضاعهما باعتباره الحامي الوحيد لهما، المتفهم للظروف التاريخية التي دفعت أسرتيهما إلى التعاون مع قوات الاحتلال، كان الملك يعتقد " أنهما رهينتان عنده".<br /> <br />ظل الحسن الثاني متحكما داخل القصر و" أوفقير" الحاكم الحقيقي خارج أسواره، كان كضابط سام يتحكم في الجيش وكوزير للداخلية مسؤولا عن الأمن  وتحت إمرته أصناف متعددة من الشرطة، هذا الجمع بين الشارة العسكرية والمسؤولية الأمنية  البوليسية جعله الرجل القوي في مملكة الحسن الثاني. كان الناس عامة يخافون أوفقير سواء أكانوا مواطنين عاديين أو مسؤولين  عسكريين أو مدنيين أو رجال أعمال أو بورجوازيين  أو سياسيين أو نقابيين.<br /> <br />كان أوفقير يستعين بزوجته لمعرفة دقائق ما يجري داخل القصر، فيستنبط من ذلك حكايات لاذعة وأساطير مثيرة يرددها على مسامع جلسائه وخلانه، وفي هذه الأثناء عزز أوفقير اتصالاته بالمخابرات الأمريكية التي سبق له أن اشتغل معها في بداية الاستقلال، عندما أطرت النواة الأولى للمخابرات المغربية والبوليس السياسي، كما كان على علاقات وطيدة مع المخابرات الفرنسية.<br /> <br />كانت قاعدة القنيطرة  تضم في نفس الوقت مغاربة وأمريكيين يتعايشون ويتبادلون المعلومات ويلتقون في الحانة للسهر والاستراحة... كانت عيون الأمريكيين داخل القاعدة وخارجها تتوفر على أجهزة للتنصت والاستخبار تراقب وتسمع وتبعث التقارير. فقد قام أوفقير بزيارة قاعدة القنيطرة باستمرار، وجلس مع الضباط، وحاورهم ومازحهم، ولبى رغباتهم واستمالهم لليوم المعلوم، تابع الأمريكيون كل هذه التحركات، واستمعوا إلى الحوارات، والتقطوا الصور، وسجلوا الأفلام، وراكموا الوثائق...ومن الصعب القول بأنهم لم يكونوا على علم بما يدور بين " أوفقير" وضباط الطيران.<br /> <br />ورغم أن الأخبار كانت تتوارد على الحسن الثاني مؤكدة قيام أوفقير بإعداد انقلاب ثان  بعد أن شارك في إعداد الانقلاب الأول، تشبث الملك بثقته في أوفقير، بل كان يخبره بكل المعلومات التي تصله...كما كان يواجه مخبريه مباشرة بالجنيرال، مما كان يدفعهم  إلى كتمان سر المعلومات التي كانت تصلهم، كانت الأبواب مغلقة بإحكام على الحسن الثاني الذي كان يعيش رغم خطورة الأوضاع في عزلة غريبة.<br /> <br />إنه شيء محير، فالملك معروف بذكائه ومراوغاته وقوة حركته وقدرته على الحسم والبطش إذا تطلب الأمر ذلك، ولكنه في هذه النازلة استسلم استسلاما غير مبرر ولا مفهوم، وعوض فتح قنوات اتصال مع المخلصين، وضمهم إلى صفوفه والاستماع إلى اقتراحاتهم، ظل عنيدا صلبا لا يلين.</p>

مواقع

الـ 16 من غشت من سنة 1972، هو يوم استثنائي في التاريخ الحديث للمغرب، بعدما نجى الملك الراحل الحسن الثاني بأعجوبة من محاولة اغتيال نفذها الجنرال القوي المقرب منه محمد أوفقير، بعد سنة فقط من فشل انقلاب الصخيرات الذي قاده الجنرال المدبوح و محمد اعبابو، وبين غشت 1972 و غشت 2017، مرت الكثير من الأحداث التي طبعت المملكة، غير أن الكثير من جيل اليوم، يجهل معطيات كثثيرة عن انقلاب الجنرال القوي محمد أوفقير، وسنعود في "الأيام 24" بقرائنا 46 سنة إلى الوراء لنكشف لكم خبايا و أسرار انقلاب 1972. 

 
هذه معلومات حول المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين في مذكرات «أيام زمان» للإعلامي الصديق معنينو، وهي معلومات تم تجميعها من مصادر قريبة من سلطة القرار روتها بدقة وأريحية، ورغم غناها ودقتها فلازالت هناك "مناطق ظل" وجملة أسئلة، وقد  ظل اللغز المحير في هذا الموضوع هو  الموقف الغريب للملك، فبعد أن تم إبلاغه من قنوات مختلفة بأن أوفقير يعد  لانقلاب عسكري... لم يتحرك الحسن الثاني، ولم يقم ببحث عميق، ولم يبعث بلجان مراقبة وتفتيش، ولم يتخذ الاحتياطات الضرورية الأمنية منها والعسكرية... فماذا أصاب الحسن الثاني وهو المعروف بذكائه وسرعة ردود فعله وقدرته على الحسم السريع؟ هذا السؤال أساسي ومحوري، يؤكد مدى قدرة أوفقير على اللعب على الحبلين والتأثير على الملك وعلى محيطه والاحتفاظ بالمبادرة. وبقدر ما كان يحكي أوفقير عن  شجاعته في الحروب التي شارك فيها، بقدر ما كان يخفي ويكتم علاقاته بالإقامة العامة أيام "جوان"، و"كيوم" و" بن عرفة"... ورغم كل هذه العوامل وضع فيه الحسن الثاني ثقته الكاملة ووهبه مفاتيح قلبه وقصره، وجعل منه فزاعة يخيف بها أصدقاءه قبل خصومه.
 
ما يجمع بين الجنيرالين أوفقير والمذبوح  هو شعور بالذنب لأن عائلتيهما شاركتا في القضاء على المد التحرري الوطني، وتعاونتا مع الاحتلال الفرنسي والإسباني ضدا على المقاومة الوطنية، كانت هذه المرجعية نقطة ضعف استغلها" المخزن" لتقريبهما وحمايتهما وإخضاعهما باعتباره الحامي الوحيد لهما، المتفهم للظروف التاريخية التي دفعت أسرتيهما إلى التعاون مع قوات الاحتلال، كان الملك يعتقد " أنهما رهينتان عنده".
 
ظل الحسن الثاني متحكما داخل القصر و" أوفقير" الحاكم الحقيقي خارج أسواره، كان كضابط سام يتحكم في الجيش وكوزير للداخلية مسؤولا عن الأمن  وتحت إمرته أصناف متعددة من الشرطة، هذا الجمع بين الشارة العسكرية والمسؤولية الأمنية  البوليسية جعله الرجل القوي في مملكة الحسن الثاني. كان الناس عامة يخافون أوفقير سواء أكانوا مواطنين عاديين أو مسؤولين  عسكريين أو مدنيين أو رجال أعمال أو بورجوازيين  أو سياسيين أو نقابيين.
 
كان أوفقير يستعين بزوجته لمعرفة دقائق ما يجري داخل القصر، فيستنبط من ذلك حكايات لاذعة وأساطير مثيرة يرددها على مسامع جلسائه وخلانه، وفي هذه الأثناء عزز أوفقير اتصالاته بالمخابرات الأمريكية التي سبق له أن اشتغل معها في بداية الاستقلال، عندما أطرت النواة الأولى للمخابرات المغربية والبوليس السياسي، كما كان على علاقات وطيدة مع المخابرات الفرنسية.
 
كانت قاعدة القنيطرة  تضم في نفس الوقت مغاربة وأمريكيين يتعايشون ويتبادلون المعلومات ويلتقون في الحانة للسهر والاستراحة... كانت عيون الأمريكيين داخل القاعدة وخارجها تتوفر على أجهزة للتنصت والاستخبار تراقب وتسمع وتبعث التقارير. فقد قام أوفقير بزيارة قاعدة القنيطرة باستمرار، وجلس مع الضباط، وحاورهم ومازحهم، ولبى رغباتهم واستمالهم لليوم المعلوم، تابع الأمريكيون كل هذه التحركات، واستمعوا إلى الحوارات، والتقطوا الصور، وسجلوا الأفلام، وراكموا الوثائق...ومن الصعب القول بأنهم لم يكونوا على علم بما يدور بين " أوفقير" وضباط الطيران.
 
ورغم أن الأخبار كانت تتوارد على الحسن الثاني مؤكدة قيام أوفقير بإعداد انقلاب ثان  بعد أن شارك في إعداد الانقلاب الأول، تشبث الملك بثقته في أوفقير، بل كان يخبره بكل المعلومات التي تصله...كما كان يواجه مخبريه مباشرة بالجنيرال، مما كان يدفعهم  إلى كتمان سر المعلومات التي كانت تصلهم، كانت الأبواب مغلقة بإحكام على الحسن الثاني الذي كان يعيش رغم خطورة الأوضاع في عزلة غريبة.
 
إنه شيء محير، فالملك معروف بذكائه ومراوغاته وقوة حركته وقدرته على الحسم والبطش إذا تطلب الأمر ذلك، ولكنه في هذه النازلة استسلم استسلاما غير مبرر ولا مفهوم، وعوض فتح قنوات اتصال مع المخلصين، وضمهم إلى صفوفه والاستماع إلى اقتراحاتهم، ظل عنيدا صلبا لا يلين.