ليلة في مستعجلات البيضاء.. الانتظار والصبر والظاهر يعالج والباطن في علم الله

 

 

.

ليلة في مستعجلات البيضاء.. الانتظار والصبر والظاهر يعالج والباطن في علم الله

<p dir="rtl">لا ينجح الليل أبدا في إخماد الحركة في قسم المستعجلات بمستشفى ابن رشد. فرغم سكون المدينة القسري بفعل توقف الحركة ليلا، يبقى الرواج الموشوم بالطوارئ أكبر مخيم على حي المستشفيات، حيث يتقاطر المرضى والمصابون في الحوادث. هذه حكاية ليلة قضاها "تيل كيل عربي" في أكبر قسم للمستعجلات في العاصمة الاقتصادية.</p>
<p dir="rtl"><strong>مرضى وأقارب يفترشون الأرض</strong></p>
<p dir="rtl">لا يمنحك الولوج عبر الباب الرئيسي لقسم المستعجلات وقتا كافيا كبيرا لتعرف حجم الضغط البشري على خدمات التطبيب في قسم الطوارئ، فما إن تتعدى أقدامك البوابة الحديدية، حتى يصدمك مشهد أسرة مكونة من خمسة أفراد، تتخذ من أدرج الدخول مفرشا لها، يتمدد رب الأسرة على ورق مقوى، محتميا من برودة الأرض، مستندا على فخذ ابنه، بينما تجلس الأم والابنة والابن الأصغر القرفصاء بالقرب من الأب، الذي يبدو فاقدا للوعي، أو مغمض العينين من شدة ما يكابد من ألم.</p>
<p dir="rtl">"ننتظر صديقا لإيصالنا إلى المسكن، بعدما أنهى الوالد فحوصاته، بعدما فشلنا في التفاوض على سعر معقول لنقله بواسطة سيارة الإسعاف إلى مدينة برشيد، حيث نقطن" يقول الابن البكر.</p>
<p dir="rtl">كانت عقارب الساعة قد انزاحت بدقائق لتعلن بداية يوم الخميس 04 يوليوز. لا يأبه الداخلون عبر المدخل الرئيسي لحال الأسرة المترقبة لوصول من يقلها معية معيلها الراقد على الأرض. في بهو الاستقبال تختلط هرولات مرافقين لمرضى بين صندوق الأداء وشباك الاستعلامات، فعلى يسارك اختار مرافقو مرضى افتراش بطانيات لسرقة بعض لحظات من النوم في انتظار أخبار تصلهم عن أقربائهم القابعين في أسرة المستشفى أو الخاضعين لتدخلات طبية عاجلة في قسم الإنعاش.</p>
<p dir="rtl">ترقد تسع نساء على منصة إسمنتية قرب صندوق الأداء، أغلبهن يغطين وجوههن، غير مكترثات لضجيج عشرات الأشخاص المترددين بشكل غير منقطع على المستعجلات، يقول حارس أمن خاص "إنهن نسوة قدمن من مناطق بعيدة، ولا تتوفر غالبيتهم على مكان يستقبلهن. لذا فهن يفضلن البقاء هنا في انتظار أخبار عن ذويهن أو أقاربهن".</p>
<p dir="rtl"><strong>لا كراسي متحركة.. وتضامن بين الزوار</strong></p>
<p dir="rtl">يبدو بهو الانتظار أقرب إلى ساحة إجلاء منكوبين، بسبب الأجساد الراقدة على أغلب الجنبات، مع أن جلهم لا ينتظر دوره لزيارة طبيب المستعجلات، بل هم مجرد مرافقين.</p>
<p dir="rtl">على المريض أن يؤدي مبلغ 40 درهما، إن كان لا يتوفر على بطاقة الراميد، يطلب موظف صندوق الدفع البطاقة الوطنية، ويستفسر عن نوع الإصابة أو المرض، ليملأ ورقة صفراء، تعتبر جواز المرور إلى داخل المستشفى، وانتظار الدور لملاقاة الطبيب.</p>
<p dir="rtl">يفصل ممر إسفلتي بين بوابتين، وهو ممر مخصص لوقوف سيارات الإسعاف أو السيارات التي تقل مرضى غير قادرين على الحركة، دون الورقة الصفراء لا يسمح حارس الأمن الخاص لأي كان بالعبور إلى الوجهة الأخرى، رغم توسلات المرافقين، الرغبين في استطلاع ما يجري بالداخل.</p>
<p dir="rtl">تحرس كاميرات مراقبة المدخل الرئيسي، وينبه ملصق كبير وضع على حائط الباب إلى وجود عيون إلكترونية لرصد الزائرين، وهو تنبيه لم يردع حراس الأمن الخاص من إشعال سجائرهم دون توقف وهم يراقبون الأوراق الصفراء ويدلون المرضى إلى الأجنحة اتي عليهم قصدها.</p>
<p dir="rtl">كلما اقتربت من باب الولوج إلى قسم العلاجات، ازداد حجم التجمهر وأعداد الزائرين، وأمام غياب كراسي متحركة لنقل المرضى، خاصة من الشيوخ وكبار السن، يبقى التضامن بين الأهالي سيد الموقف، خاصة لإسناد أو مساعدة المرضى وحملهم إلى قسم الفحوص.</p>
<p dir="rtl">يحاول رجل في عقده الرابع جاهدا بكل قوة منع سيدة من السقوط، يسندها حتى يتقدما معا لإدخالها إلى قسم المستعجلات، كانت خطاوتها ثقيلة وفي نصف وعيها، تترنح من شدة الألم، يفتح حارس الأمن الباب، بينما يهرع شاب في عقده الثاني إلى تقديم يد العون وإسناد السيدة، التي بدا وزنها يثقل كاهل مرافقها، بينما تكلفت سيدة خمسينية كانت معهما بالإسراع إلى صندوق الأداء.</p>
<p>"مصحات التضامن الاجتماعي أحسن يا أخي</p>
<p dir="rtl">"لا نعرف ما بها، كل ما تقوله أنها تحس بألم لا يطاق على مستوى كليتيها، لا نعرف إن كانت تعاني من الكلى أم من المرارة" يقول الرجل الذي تبين أنه زوجها، لـ"تيل كيل عربي"، بينما يرتفع أنين الزوجة، التي كانت ترتدي جلبابا أسود وتنتعل صندالا بلاسيكتيا، كان على الزوج أن ينتظر قرابة نصف ساعة، قبل أن يأتي دورهما، لم تدم زيارة الطبيب أكثر من 15 دقيقة، ليهم الزوجان بالمغادرة دون أن يتغير شيء في الوضع الصحي للزوجة.<br />"علينا إجراء تحاليل مخبرية حالا" يخبرنا الزوج، قبل أن يعاود إسناد زوجته بكل ما أوتي من قوة، مرة أخرى سيجد الزوج في الزوار خير عون أمام غياب كراسي متحركة. عند الخروج من الباب  الرئيسي، وضعها برفق على الأسفلت، وركض لجلب سيارته، بينما تجمهر بضع أشخاص حولها وعدئلتها المرافقة، التي كانت ممتعضة من نتيجة زيارة قسم المستعجلات، "لم يعرفوا ما بها، أمرونا بإجراء تحاليل عاجلة، وأنه علينا الذهاب إلى مختبر في شارع عبد المومن، كان عليهم أن يستلموها وأن يدخلوها إلى قسم الإنعاش، فهي غير قادرة على الحركة، والآلام على مستوى أسفل الظهر تشتد مع مرور الوقت، اللهم إن هذا منكر، ماذا لو أنها كانت تعاني من المرارة، وفي خضم إجراء التحاليل انفجرت.."، تحدثت عديلة السيدة التي كانت تمسك المريضة التي  لم تكف عن الأنين.</p>
<p>يقترب سائق سيارة إسعاف مركونة بالقرب من المدخل الرئيسي من الزوج، ليستفسره إن كان منخرطا في صندوق الضمان الاجتماعي، فيرد الزوج بالإيجاب، ليبدأ السائق في توجيه توبيخ ناعم له "لماذا جلبتها إلى هنا، ما دمت تتوفر على تغطية صحية تابعة للضمان الاجتماعي، يا أخي مصحات " الضمان " أحسن بكثير من هنا"، يطأطئ الزوج رأسه ويركب سيارته منطلقا دون تعقيب.</p>
<p dir="rtl"><strong>السكانير والأشعة.. موقف الانتظار</strong></p>
<p dir="rtl">مرت ساعتان، ولم تخف الحركة ولا عدد المترددين على المستعجلات، إذ تفوق الحركة والضجيج داخل قسم الفحوصات بكثير ما يجري بالخارج، ضحيا حوادث سير، وحوادث منزلية وشيوخ تعرضوا لأزمات صحية مفاجئة، كأصحاب الربو والقلب والضغط.</p>
<p dir="rtl">في قسم الفحص بالأشعة، يجلس قرابة 15 شخصا يحملون الورقة الصفراء في انتظار دورهم، يقول شاب في سن 21 من العمر، تلف رأسه ضمادة بيضاء ملطخة بالدماء، "أخبرني الطبيب أن علي إجراء الراديو، حتى يتبينوا إن كانت هناك إصابات على مستوى الجمجمة، وأنا في قاعة الانتظار منذ زهاء الساعة"، يرفض الشاب الخوض في تفاصيل إصابته، ويعزو السبب إلى من سماهم "ولاد لحرام"، الذين تسببوا له في الإصابة.</p>
<p dir="rtl">بالقرب منه يجلس رجل  يرتدي بذلة وربطة عنق، يبدو مظهره نشازا مقارنة بأشكال المرضى المنتظرين، يمسك ذراعه الأيسر، ويقول إنه يعاني من آلام تصل إلى كامل صدره، بعدما تعرض إلى حادث سير، وهو على متن سيارة أجرة صغيرة، يتمنى أن لا يكون تعرض لكسرهبإحدى أضلعه، وأن الخبر اليقين ستحمله صور الفحص بالأشعة، يقول "انتهيت من العمل في وقت متأخر، فقررت ركوب سيارة أجرة لأعود إلى البيت بسرعة، لكن كان للقدر رأي مغاير، تعرضنا لحادث سير، بعد أن اصطدمت بنا سيارة لم تحترم إشارات المرور، كنت بالجانب الأيسر، خلف السائق مباشرة، الذي أصر على نقلي إلى المستشفى رغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها سيارته".</p>
<p dir="rtl">في القسم المخصص للأمراض الباطنية، خرجت ممرضة في عقدها الخامس، تصيح باسم "هشام"، أين هشام، ليقترب شاب لم يتجاوز عمره التاسعة عشر، يجر نعله مهرولا، لتخببه بأن تخطيط القلب قد صدر، وتصيح بوجهه "ابتعد عن الحشيش، قل الصراحة هل دخنت مخدرا ما؟ أنظر إلى تخطيط قلبك، لقد أثر عليك ما تناولته، وقد كاد يتسبب لك في سكتة قلبية"، غطى الشاب وجهه، محاولا إحفاء ملامحه من الخجل، خاصة وأن عيون الجالسين في قاعات الانتظار اتجهت مباشرة نحوه.</p>
<p dir="rtl">في مستعجلات مدينة المال والأعمال يرتفع منسوب الزهد بشكل ملحوظ لدى الزائرين والمرضى، في أفواه الجميع تترد عبارة "لهلا يحرمنا من الصحة في هاد لبلاد"، أو عبارات من قبيل "ما تجيكش غير في صحتك". كانت الساعة تشير إلى الثالثة والنصف، بعض الممرضين، يحاولون اختلاس لحظات راحة بين الفينة والأخرى، بين من يبتعد عن الأعين للتدخين، وبين من يراقب هاتفه متابعا مباراة نصف نهائي كأس أمريكا بين البيرو والشيلي، كان هناك استمرار تقاطر المرضى والمصابين، يقول ممرض كان يسأل عن نتيجة مباراة كرة القدم، "الليلة عرفت وتيرة سريعة لتقاطر المرضى، و الحالات التي يجري التكفل بها بسرعة هي حالات المصابين في حوادث السير، أو الإصابات الظاهرة، أما الباطنية فتتطلب تحاليل وفحوصات أعمق".</p>
<p dir="rtl">اقتربت الساعة من الرابعة صباحا، ونحن نهم بالمغادرة، واصلت الأسرة انتظار الصديق، الذي يعول عليه للقيام بدور سيارة إسعاف، كل ما تغير هو أن الأم عزضت الابن لتريحه قليلا ، بينما يواصل الابن الأكبر التمتع بتفاؤل منقطع النظير، يبتسم معلقا "سيأتي صديقنا لا محالة، رغم مرور أربع ساعات من الانتظار، لم يكل الأبناء والأم في لعب دور الوسادة للأب النحيف المريض، وهم جالسون على قارعة مدخل مستعجلات البيضاء.</p>

مواقع

لا ينجح الليل أبدا في إخماد الحركة في قسم المستعجلات بمستشفى ابن رشد. فرغم سكون المدينة القسري بفعل توقف الحركة ليلا، يبقى الرواج الموشوم بالطوارئ أكبر مخيم على حي المستشفيات، حيث يتقاطر المرضى والمصابون في الحوادث. هذه حكاية ليلة قضاها "تيل كيل عربي" في أكبر قسم للمستعجلات في العاصمة الاقتصادية.

مرضى وأقارب يفترشون الأرض

لا يمنحك الولوج عبر الباب الرئيسي لقسم المستعجلات وقتا كافيا كبيرا لتعرف حجم الضغط البشري على خدمات التطبيب في قسم الطوارئ، فما إن تتعدى أقدامك البوابة الحديدية، حتى يصدمك مشهد أسرة مكونة من خمسة أفراد، تتخذ من أدرج الدخول مفرشا لها، يتمدد رب الأسرة على ورق مقوى، محتميا من برودة الأرض، مستندا على فخذ ابنه، بينما تجلس الأم والابنة والابن الأصغر القرفصاء بالقرب من الأب، الذي يبدو فاقدا للوعي، أو مغمض العينين من شدة ما يكابد من ألم.

"ننتظر صديقا لإيصالنا إلى المسكن، بعدما أنهى الوالد فحوصاته، بعدما فشلنا في التفاوض على سعر معقول لنقله بواسطة سيارة الإسعاف إلى مدينة برشيد، حيث نقطن" يقول الابن البكر.

كانت عقارب الساعة قد انزاحت بدقائق لتعلن بداية يوم الخميس 04 يوليوز. لا يأبه الداخلون عبر المدخل الرئيسي لحال الأسرة المترقبة لوصول من يقلها معية معيلها الراقد على الأرض. في بهو الاستقبال تختلط هرولات مرافقين لمرضى بين صندوق الأداء وشباك الاستعلامات، فعلى يسارك اختار مرافقو مرضى افتراش بطانيات لسرقة بعض لحظات من النوم في انتظار أخبار تصلهم عن أقربائهم القابعين في أسرة المستشفى أو الخاضعين لتدخلات طبية عاجلة في قسم الإنعاش.

ترقد تسع نساء على منصة إسمنتية قرب صندوق الأداء، أغلبهن يغطين وجوههن، غير مكترثات لضجيج عشرات الأشخاص المترددين بشكل غير منقطع على المستعجلات، يقول حارس أمن خاص "إنهن نسوة قدمن من مناطق بعيدة، ولا تتوفر غالبيتهم على مكان يستقبلهن. لذا فهن يفضلن البقاء هنا في انتظار أخبار عن ذويهن أو أقاربهن".

لا كراسي متحركة.. وتضامن بين الزوار

يبدو بهو الانتظار أقرب إلى ساحة إجلاء منكوبين، بسبب الأجساد الراقدة على أغلب الجنبات، مع أن جلهم لا ينتظر دوره لزيارة طبيب المستعجلات، بل هم مجرد مرافقين.

على المريض أن يؤدي مبلغ 40 درهما، إن كان لا يتوفر على بطاقة الراميد، يطلب موظف صندوق الدفع البطاقة الوطنية، ويستفسر عن نوع الإصابة أو المرض، ليملأ ورقة صفراء، تعتبر جواز المرور إلى داخل المستشفى، وانتظار الدور لملاقاة الطبيب.

يفصل ممر إسفلتي بين بوابتين، وهو ممر مخصص لوقوف سيارات الإسعاف أو السيارات التي تقل مرضى غير قادرين على الحركة، دون الورقة الصفراء لا يسمح حارس الأمن الخاص لأي كان بالعبور إلى الوجهة الأخرى، رغم توسلات المرافقين، الرغبين في استطلاع ما يجري بالداخل.

تحرس كاميرات مراقبة المدخل الرئيسي، وينبه ملصق كبير وضع على حائط الباب إلى وجود عيون إلكترونية لرصد الزائرين، وهو تنبيه لم يردع حراس الأمن الخاص من إشعال سجائرهم دون توقف وهم يراقبون الأوراق الصفراء ويدلون المرضى إلى الأجنحة اتي عليهم قصدها.

كلما اقتربت من باب الولوج إلى قسم العلاجات، ازداد حجم التجمهر وأعداد الزائرين، وأمام غياب كراسي متحركة لنقل المرضى، خاصة من الشيوخ وكبار السن، يبقى التضامن بين الأهالي سيد الموقف، خاصة لإسناد أو مساعدة المرضى وحملهم إلى قسم الفحوص.

يحاول رجل في عقده الرابع جاهدا بكل قوة منع سيدة من السقوط، يسندها حتى يتقدما معا لإدخالها إلى قسم المستعجلات، كانت خطاوتها ثقيلة وفي نصف وعيها، تترنح من شدة الألم، يفتح حارس الأمن الباب، بينما يهرع شاب في عقده الثاني إلى تقديم يد العون وإسناد السيدة، التي بدا وزنها يثقل كاهل مرافقها، بينما تكلفت سيدة خمسينية كانت معهما بالإسراع إلى صندوق الأداء.

"مصحات التضامن الاجتماعي أحسن يا أخي

"لا نعرف ما بها، كل ما تقوله أنها تحس بألم لا يطاق على مستوى كليتيها، لا نعرف إن كانت تعاني من الكلى أم من المرارة" يقول الرجل الذي تبين أنه زوجها، لـ"تيل كيل عربي"، بينما يرتفع أنين الزوجة، التي كانت ترتدي جلبابا أسود وتنتعل صندالا بلاسيكتيا، كان على الزوج أن ينتظر قرابة نصف ساعة، قبل أن يأتي دورهما، لم تدم زيارة الطبيب أكثر من 15 دقيقة، ليهم الزوجان بالمغادرة دون أن يتغير شيء في الوضع الصحي للزوجة.
"علينا إجراء تحاليل مخبرية حالا" يخبرنا الزوج، قبل أن يعاود إسناد زوجته بكل ما أوتي من قوة، مرة أخرى سيجد الزوج في الزوار خير عون أمام غياب كراسي متحركة. عند الخروج من الباب  الرئيسي، وضعها برفق على الأسفلت، وركض لجلب سيارته، بينما تجمهر بضع أشخاص حولها وعدئلتها المرافقة، التي كانت ممتعضة من نتيجة زيارة قسم المستعجلات، "لم يعرفوا ما بها، أمرونا بإجراء تحاليل عاجلة، وأنه علينا الذهاب إلى مختبر في شارع عبد المومن، كان عليهم أن يستلموها وأن يدخلوها إلى قسم الإنعاش، فهي غير قادرة على الحركة، والآلام على مستوى أسفل الظهر تشتد مع مرور الوقت، اللهم إن هذا منكر، ماذا لو أنها كانت تعاني من المرارة، وفي خضم إجراء التحاليل انفجرت.."، تحدثت عديلة السيدة التي كانت تمسك المريضة التي  لم تكف عن الأنين.

يقترب سائق سيارة إسعاف مركونة بالقرب من المدخل الرئيسي من الزوج، ليستفسره إن كان منخرطا في صندوق الضمان الاجتماعي، فيرد الزوج بالإيجاب، ليبدأ السائق في توجيه توبيخ ناعم له "لماذا جلبتها إلى هنا، ما دمت تتوفر على تغطية صحية تابعة للضمان الاجتماعي، يا أخي مصحات " الضمان " أحسن بكثير من هنا"، يطأطئ الزوج رأسه ويركب سيارته منطلقا دون تعقيب.

السكانير والأشعة.. موقف الانتظار

مرت ساعتان، ولم تخف الحركة ولا عدد المترددين على المستعجلات، إذ تفوق الحركة والضجيج داخل قسم الفحوصات بكثير ما يجري بالخارج، ضحيا حوادث سير، وحوادث منزلية وشيوخ تعرضوا لأزمات صحية مفاجئة، كأصحاب الربو والقلب والضغط.

في قسم الفحص بالأشعة، يجلس قرابة 15 شخصا يحملون الورقة الصفراء في انتظار دورهم، يقول شاب في سن 21 من العمر، تلف رأسه ضمادة بيضاء ملطخة بالدماء، "أخبرني الطبيب أن علي إجراء الراديو، حتى يتبينوا إن كانت هناك إصابات على مستوى الجمجمة، وأنا في قاعة الانتظار منذ زهاء الساعة"، يرفض الشاب الخوض في تفاصيل إصابته، ويعزو السبب إلى من سماهم "ولاد لحرام"، الذين تسببوا له في الإصابة.

بالقرب منه يجلس رجل  يرتدي بذلة وربطة عنق، يبدو مظهره نشازا مقارنة بأشكال المرضى المنتظرين، يمسك ذراعه الأيسر، ويقول إنه يعاني من آلام تصل إلى كامل صدره، بعدما تعرض إلى حادث سير، وهو على متن سيارة أجرة صغيرة، يتمنى أن لا يكون تعرض لكسرهبإحدى أضلعه، وأن الخبر اليقين ستحمله صور الفحص بالأشعة، يقول "انتهيت من العمل في وقت متأخر، فقررت ركوب سيارة أجرة لأعود إلى البيت بسرعة، لكن كان للقدر رأي مغاير، تعرضنا لحادث سير، بعد أن اصطدمت بنا سيارة لم تحترم إشارات المرور، كنت بالجانب الأيسر، خلف السائق مباشرة، الذي أصر على نقلي إلى المستشفى رغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها سيارته".

في القسم المخصص للأمراض الباطنية، خرجت ممرضة في عقدها الخامس، تصيح باسم "هشام"، أين هشام، ليقترب شاب لم يتجاوز عمره التاسعة عشر، يجر نعله مهرولا، لتخببه بأن تخطيط القلب قد صدر، وتصيح بوجهه "ابتعد عن الحشيش، قل الصراحة هل دخنت مخدرا ما؟ أنظر إلى تخطيط قلبك، لقد أثر عليك ما تناولته، وقد كاد يتسبب لك في سكتة قلبية"، غطى الشاب وجهه، محاولا إحفاء ملامحه من الخجل، خاصة وأن عيون الجالسين في قاعات الانتظار اتجهت مباشرة نحوه.

في مستعجلات مدينة المال والأعمال يرتفع منسوب الزهد بشكل ملحوظ لدى الزائرين والمرضى، في أفواه الجميع تترد عبارة "لهلا يحرمنا من الصحة في هاد لبلاد"، أو عبارات من قبيل "ما تجيكش غير في صحتك". كانت الساعة تشير إلى الثالثة والنصف، بعض الممرضين، يحاولون اختلاس لحظات راحة بين الفينة والأخرى، بين من يبتعد عن الأعين للتدخين، وبين من يراقب هاتفه متابعا مباراة نصف نهائي كأس أمريكا بين البيرو والشيلي، كان هناك استمرار تقاطر المرضى والمصابين، يقول ممرض كان يسأل عن نتيجة مباراة كرة القدم، "الليلة عرفت وتيرة سريعة لتقاطر المرضى، و الحالات التي يجري التكفل بها بسرعة هي حالات المصابين في حوادث السير، أو الإصابات الظاهرة، أما الباطنية فتتطلب تحاليل وفحوصات أعمق".

اقتربت الساعة من الرابعة صباحا، ونحن نهم بالمغادرة، واصلت الأسرة انتظار الصديق، الذي يعول عليه للقيام بدور سيارة إسعاف، كل ما تغير هو أن الأم عزضت الابن لتريحه قليلا ، بينما يواصل الابن الأكبر التمتع بتفاؤل منقطع النظير، يبتسم معلقا "سيأتي صديقنا لا محالة، رغم مرور أربع ساعات من الانتظار، لم يكل الأبناء والأم في لعب دور الوسادة للأب النحيف المريض، وهم جالسون على قارعة مدخل مستعجلات البيضاء.