مجلة “إل” الفرنسية: مرشدات مغربيات يقدن ثورة هادئة داخل المساجد ضد التطرف

 

 

.

مجلة “إل” الفرنسية: مرشدات مغربيات يقدن ثورة هادئة داخل المساجد ضد التطرف

<p>تجربة جديدة وتستحق الإشادة، تلك التي أطلقتها الحكومة المغربية، ومنحت فيها النساء الفرصة لقيادة المجتمع الإسلامي في البلاد، ولكن على طريقتهن الخاصة. مجلة Elle الفرنسية، اعتبرت أن ما تفعله النساء في برنامج المرشدات الذي تشرف عليه الدولة المغربية «ثورة هادئة» في المساجد، لتعليم النساء، ووقاية البلاد من التطرف. وأجرت مراسلة المجلة الفرنسية، ليزا آبيند، مقابلات مع عدد من المرشدات في العاصمة الرباط، وكذلك مع النساء القادمات إلى هذا البرنامج، اللاتي قلن كل ما يدور في أذهانهن عن هذه المبادرة الحكومية.</p>
<p>وبحسب المجلة الفرنسية، فقبل وقتٍ ليس بالطويل، أسرَّت امرأة بسرٍّ فظيع لزينب حيدرة، إذ همست لها بأنَّ زوجها مدمنٌ للكحول، وكان ينفق أموال الأسرة على الخمور، ويضربها حين يكون ثملاً، وخشيت أن يضرب في يومٍ ما الأطفال، أو يُقدم على فعل ما هو أسوأ. استمعت زينب بهدوء، لكن حين أجابت احتدَّ صوتها بالإدانة. فقالت زينب: «أخبرتُها أنَّها لا بد أن تحاول مساعدته، ثُمَّ أصررتُ على وجوب طلبها الطلاق إن لم يتغيَّر». قد لا تبدو تلك كلماتٍ كبيرة، لكن في بعض مناطق العالم هذه النصيحة ليست إلا نصيحة ثورية.</p>
<p>عالمات دين بموافقة الحكومة</p>
<p> </p>
<p>وبصفة زينب مرشدة، باتت الآن واحدةً من مئات النساء اللاتي درَّبتهن الحكومة المغربية ووظَّفتهن عالمات دينٍ، إنَّهن خبيراتٌ في الشريعة، والتقاليد الإسلامية، ومُزوَّداتٌ بالسلطة –ومعرفة عميقة بالقرآن- التي تسمح لهن بالترويج لحقوق النساء والدفاع عنها. تعمل زينب بمسجد عين الشق، الواقع بأحد الأحياء المزدحمة الذي تقطنه الطبقة العاملة بمدينة الدار البيضاء، أكبر مدن المغرب.</p>
<p>نطاق اختصاصها هو القسم النسائي بالمسجد: غرفة مستطيلة طويلة، فوق الحرم المُخصَّص للرجال فقط، وهناك تحاذي كراسيّ بلاستيكية حواف السجاجيد البالية، ويوجد جدار من النوافذ المغلقة التي تواجه القبلة، وهي الاتجاه الذي يشير إلى مكة المكرمة، أقدس المدن في الإسلام، بحسب المجلة الفرنسية. حصلت زينب على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، ومع أنَّ القرآن يحظر إمامة الصلاة على النساء فإنَّ مسؤولياتها الأخرى تشبه مسؤوليات الإمام: فهي تلقي الدروس، وتُقدِّم النصح، وتواسي المرضى والثكالى. وتتمثل وظيفة زينب، بصفتها مرشدة، في تعزيز تعليم وحماية حقوق المُصلِّيات الإناث، بالأساس عن طريق تعليمهن ما الذي يقوله القرآن عن مكانة النساء في الإسلام، وكذلك عن طريق تثقيفهن بشأن الرعاية الصحية والحقوق القانونية، بالإضافة إلى موضوعاتٍ أخرى. تضيف فاطمة آيت سعيد، التي تعمل بمسجد مكة في العاصمة الرباط: «إنكِ تعيشين فعلاً مشكلات النساء، إنَّها ليست مجرد وظيفة تقومين بها من أجل المال، بل يتعين أن تكون رسالة».</p>
<p><em>مرشدات ضد التطرف</em></p>
<p>وُلِد برنامج المرشدات رداً على التطرف ففي عام 2003، قام 14 انتحارياً –معظمهم بين سن 20 إلى 23 عاماً- من منطقة سيدي مومن، وهي بلدة صفيح على الأطراف الشمالية الغربية للدار البيضاء، بتفجير أنفسهم في عدة مواقع، بينها مطعمٌ إسباني ومقبرة يهودية، في هجومٍ كان يستهدف اليهود والأجانب، وأسفر في النهاية عن مقتل 33 مدنياً.</p>
<p>وفي بلدٍ لطالما افتخر بتفسيره المتساهل للإسلام، أقنع الهجوم رأس الحكومة المغربية، الملك محمد السادس، بإعداد برنامج لتدريب المرشدين الدينيين. وسيتعلَّم هؤلاء المرشدون كيفية تعريف المعتقدات الدينية، التي تتصادم مع النسخة المغربية من الإسلام وتصحيحها، داخل وخارج البلاد. وكان يُعَتقَد أنَّ البرنامج سيصبح نوعاً من اللقاح ضد التطرف.</p>
<p>وتوافق البرنامج كذلك بصورة جيدة مع موجة الإصلاحات الرامية لتحسين وضعية المرأة المغربية التي أطلقها الملك محمد السادس. ففي السنة نفسها التي وقعت فيها هجمات الدار البيضاء، دعا الملك عالِمة دينية لإلقاء محاضرة في القصر خلال شهر رمضان، وهي أول امرأة يُسمَح لها بدخول القاعة، ناهيك عن أن تدخلها كمتحدثة. وفي عام 2004، راجعت الحكومة قانون الأسرة، وحدَّدت سن الزواج بـ18 عاماً، ومنحت المرأة الحق في الطلاق، والسلطة القانونية لتوقيع عقود زواجها، بدلاً من اشتراط قيام أحد أوليائها الذكور بذلك.</p>
<p>وأدخل محمد السادس امرأة إلى رابطة العلماء، أعلى سلطة دينية في البلاد، بحسب المجلة الفرنسية. ثُمَّ في عام 2005 بدأ أول برنامج تدريبي للمرشدات والمردشين في العاصمة الكوزموبوليتانية (التعددية المنفتحة على العالم)، الرباط. اختير المائة رجل وخمسون سيدة الذين قُبِلوا بدقة، وتضمَّنت شروط القبول الحصول على درجة البكالوريوس، وحفظ القرآن (حفظ نصف القرآن للنساء، والقرآن كاملاً للرجال). وبمجرد التحاقهم، درسوا العقيدة والشريعة، ودرسوا أيضاً الفلسفة والتاريخ والأديان المُقارنة وعلم النفس. وضمنت الحكومة توظيف كل الخريجين في المساجد المنتشرة بأرجاء البلاد.</p>
<p>المزيد من النساء إلى البرنامج</p>
<p>ومنذ انطلاق البرنامج، تضاعف عدد النساء المُتقدِّمات للالتحاق به سنوياً، وصارت المدرسة منذ ذلك الحين ناجحةً للغاية، لدرجة أنَّها انتقلت من المقر في إحدى المدارس التي تعود إلى القرون الوسطى في ضواحي مدينة الرباط القديمة، إلى حَرَمٍ جديد متلألئ بجوار الجامعة. وأثبت البرنامج، الذي يجذب الآن طلاباً من مختلف أنحاء إفريقيا ومناطق من أوروبا، شعبية كبيرة؛ إذ تقدَّم ألفا شخص –نصفهم من النساء- هذا العام لشغل 250 مكاناً متاحاً. يقول عبدالسلام الأزعر، مدير معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات: «كل عام يخرج رجلان أو ثلاثة، لكن لا تخرج أي نساء، إنَّهن جادات».</p>
<p>وتظهر الجديّة في جلسات ما بعد الظهيرة التي تُعقَد للطلبة الأجانب –معظمهم من إفريقيا، لكن هناك أيضاً طلبة من فرنسا وبلدان أخرى بها عدد مُعتَبَر من السكان المسلمين- الذين ربما ما زالوا يعانون لتعلُّم اللغة العربية أو تذكُّر القرآن. تُركِّز سهام بوطيبي، وهي طالبة وُلِدَت بمدينة ليل الفرنسية لأبوين مهاجرين من المغرب، باهتمام شديد على القراءة، لكنَّها تبتسم ابتسامة مَن يحب بوضوح ما يفعله، بحسب المجلة الفرنسية.</p>
<p>تقول سهام وهي تشير إلى حجابها: «لَطالما أردتُ أن أكون مُعلِّمة، لكن في فرنسا يجري التمييز ضدك إن كنتِ ترتدين الحجاب. يوجد هناك طلب بأنَّ عليكِ أن تُغيِّري من نفسك كي تدرسي، لكن هنا، لم أضطر لمواجهة عملية التخيير هذه، وهذا مثير، لأنَّ النساء سيُدرِّبن الجيل القادم». تتعلم سهام وزملاؤها، باعتبارهم سفراء في طور الإعداد، أنَّ الإسلام يتبنّى التعايش السلمي بين الأديان، وليس التسلُّط على من يُسمَّون بالكفار، وينظر إلى الجهاد باعتباره كفاحاً روحياً داخلياً أكثر من كونه حرباً ضد غير المؤمنين. ويتعلَّمون كذلك أنَّ الدين نفسه لا يُميِّز ضد المرأة، وأنَّ أي اختلافاتٍ تنبع من الأدوار الاجتماعية التي تحددها التقاليد. وبعد انتهاء سهام من صفّ التلاوة، وشروعها في لملمة كتبها للذهاب إلى الصالة الرياضية بحرم المعهد، الذي يكون متاحاً للنساء لمدة ساعة فقط، بدءاً من الساعة 4:30 عصراً، قالت: «كلنا سواءٌ في الإسلام»، بحسب المجلة الفرنسية.</p>
<p>المساواة ليست هدف البرنامج</p>
<p>ومثلما توحي الفُسحة الزمنية المحدودة لممارسة التمارين، فإنَّ المعهد نفسه ليس متكافئاً تماماً. فبالإضافة إلى عدد الساعات الأقل المتاحة لاستخدام الصالة الرياضية، تحتفظ النساء بالمقاعد الخلفية في قاعات المحاضرات. وبمجرد تخرجهن، لا يمكن أن تصبح أيٌّ منهن إماماً. ويجادل بعض المنتقدين، مثل الباحثة الإسلامية النسوية البارزة والطبيبة أسماء المرابط، بأنَّ البرنامج لا يزال يستنسخ «رسالة أبوية». مع ذلك، تشير د. آن ماري واينسكوت، أستاذة العلوم السياسية بجامعة ميامي الأمريكية، إلى أنَّ المساواة ليست في الحقيقة هي الهدف من البرنامج، بحسب المجلة الفرنسية.</p>
<p>توضح: «التدريب الذي تحظى به المرشدات جيدٌ تماماً، ومثل كافة الوظائف الحكومية، الوظائف التي يحصلن عليها بعد التدريب تكون مستقرة وذات راتب جيد. لذا من هذا المنظور، فإنَّها تُحسِّن وضعيتهن، لكنَّ تكوين المرشدات كان في المقام الأول وبالأساس خطوة استراتيجية من طرف الحكومة المغربية، لتوسيع نطاق البيروقراطية الدينية، الأمر لا يتعلَّق فعلاً بتمكين النساء». وبالعودة إلى مسجد مكة، تراوغ فاطمة آيت سعيد (33 عاماً) في الإجابة عن سؤال ما إذا كانت ستصبح إماماً إن كان بمقدورها ذلك. فتقول: «لا توجد أمثلة على أئمة من النساء في القرآن. من فضلك، هذا كما لو أنَّك تسألينني عما إن كنتُ أريد الذهاب إلى المريخ». مع ذلك، لا تعني حقيقة أنَّ البرنامج لا يهدف لتقديم نموذج صارم للمساواة المُطلَقة أنَّ التغيير في أدوار وحقوق المرأة ليس أمراً مثيراً للإعجاب بشدة.</p>
<p>على سبيل المثال، نظَّمت فاطمة عيادات نسائية صحية في المسجد، من أجل النساء اللاتي قد لا يحصلن على الفحوصات الطبية بطريقةٍ أخرى، وأحضرت خبراء للحديث عن دور النساء في المجتمع. وفيما يتعلَّق بالنساء في مسجدها، تُعَد فاطمة مستشارة وداعِمة، وهو دور مهم في بلدٍ لا توجد به إلا قليل من الخدمات الاجتماعية الخاصة بالنساء، اللاتي يعانين العنف المنزلي، أو الاكتئاب، أو الإرهاق الشديد الناتج عن تربية الأطفال.</p>
<p>ماذا استفادت النساء؟</p>
<p>في أحد الأيام، بمطلع شهر مايو الماضي، طلبت فاطمة بعض التعليقات من المُصلّيات بشأن ما استفدنه منها كمرشدة. فقالت امرأة متوسطة العمر إنَّ فاطمة علّمتها تلاوة القرآن، وقاطعتها أخرى لتقول إنَّها تعلَّمت الصلاة. واتفقت معهما امرأة عجوز، تضع غطاء شعر وردي اللون، وقالت: «علَّمتني فاطمة كيف أستخدم الهاتف»، ما أثار ضحك النساء الأخريات.</p>
<p>لكن كان رد زورة، وهي أم شابة، هو ما لاقى الاستحسان. إذ قالت بهدوء: «علَّمتني كيف أحل مشكلةً». تعترف فاطمة أنَّ الرجال في ثقافتها يمارسون سلطة أكبر، تماماً كما تعترف أنَّ الرجال أكثر ميلاً للتصرف بعنف، أو تبنّي الأفكار المتطرفة، لكنَّها ترى أنَّ عملها بين النساء نوع من القوة الناعمة. فتقول: «النساء هن قلب الأسرة، وهن مَن يُشكِّلن السلوك، الأمر الأهم الذي نفعله باعتبارنا مرشدات هو نقل الأفكار إليهن، حتى يمكن للنساء ان يُصبِحن الحل للمشكلات. وسيحذو الرجال حذوهن»، بحسب المجلة الفرنسية. منح البرنامج أيضاً فاطمة ثقةً أكبر في نفسها.</p>
<p>وقد تخلَّت فاطمة، الطالبة السابقة في مجال الاقتصاد عن العمل في مجالها، لأنَّ الأسرة لم تعتقد أنَّه عمل ملائم للنساء، لكن الآن تفكر فاطمة، التي باتت متزوجة من زوجٍ داعم ولديها طفلان وسنوات من الخبرة كمعلمة وأصبحت قائدة ناجحة، تفكر في العودة إلى دراساتها الاقتصادية. وتقول: «لِمَ لا؟ هذا حلمي».</p>
<p>خطوط الدفاع الأولى لمجابهة التطرف</p>
<p>وبحسب المجلة الفرنسية، تدرك المرشدات أنَّ وظيفتهن لا تنطوي على مجرد رفع مكانة المرأة، فلا يزال التطرف يتفاقم في البلاد، ويُعتَقَد أنَّ نحو 1600 مغربي سافروا إلى «خلافة» تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ذروة قوة التنظيم. وكانت زينب حيدرة نجحت في إحدى مدارس الدار البيضاء التي درَّست فيها، في إقناع الأولاد الذين بدا أنَّهم يميلون للتطرُّف برفض المعتقدات الأكثر تطرُّفاً. وبهذا الصدد، تُعَد زينب (وعالِمات الدين الأخريات) أول خطوط الدفاع ضد التطرف. وتأمل زينب أن تتبنّى البلدان الأخرى برنامج المرشدات (أطلقت تركيا بالفعل مبادرةً شبيهة). ولديها طموحات شخصية كذلك، فهي تُحرِّر رسالتها العلمية وتجهِّزها للنشر، وبدأت مؤخراً دراسة علم النفس، على أمل أن تصبح اختصاصية نفسية. لكنَّها تردَّدت عند سؤالها عمّا إن كانت تعتبر نفسها نسوية. فقالت مُبتسِمةً: «النسويات يهتممن بحقوق المرأة، ونحن أيضاً نهتم بحقوق المرأة، لكن من منظورٍ مختلف وحسب، من منظورٍ إسلامي». وتتوقف لتحتضن مُصلّية، ثُمَّ تعود بابتسامةٍ صغيرة. وتضيف: «ما أحبه هو مساعدة النساء على أن يَكُنَّ حرائر».</p>

مواقع

تجربة جديدة وتستحق الإشادة، تلك التي أطلقتها الحكومة المغربية، ومنحت فيها النساء الفرصة لقيادة المجتمع الإسلامي في البلاد، ولكن على طريقتهن الخاصة. مجلة Elle الفرنسية، اعتبرت أن ما تفعله النساء في برنامج المرشدات الذي تشرف عليه الدولة المغربية «ثورة هادئة» في المساجد، لتعليم النساء، ووقاية البلاد من التطرف. وأجرت مراسلة المجلة الفرنسية، ليزا آبيند، مقابلات مع عدد من المرشدات في العاصمة الرباط، وكذلك مع النساء القادمات إلى هذا البرنامج، اللاتي قلن كل ما يدور في أذهانهن عن هذه المبادرة الحكومية.

وبحسب المجلة الفرنسية، فقبل وقتٍ ليس بالطويل، أسرَّت امرأة بسرٍّ فظيع لزينب حيدرة، إذ همست لها بأنَّ زوجها مدمنٌ للكحول، وكان ينفق أموال الأسرة على الخمور، ويضربها حين يكون ثملاً، وخشيت أن يضرب في يومٍ ما الأطفال، أو يُقدم على فعل ما هو أسوأ. استمعت زينب بهدوء، لكن حين أجابت احتدَّ صوتها بالإدانة. فقالت زينب: «أخبرتُها أنَّها لا بد أن تحاول مساعدته، ثُمَّ أصررتُ على وجوب طلبها الطلاق إن لم يتغيَّر». قد لا تبدو تلك كلماتٍ كبيرة، لكن في بعض مناطق العالم هذه النصيحة ليست إلا نصيحة ثورية.

عالمات دين بموافقة الحكومة

 

وبصفة زينب مرشدة، باتت الآن واحدةً من مئات النساء اللاتي درَّبتهن الحكومة المغربية ووظَّفتهن عالمات دينٍ، إنَّهن خبيراتٌ في الشريعة، والتقاليد الإسلامية، ومُزوَّداتٌ بالسلطة –ومعرفة عميقة بالقرآن- التي تسمح لهن بالترويج لحقوق النساء والدفاع عنها. تعمل زينب بمسجد عين الشق، الواقع بأحد الأحياء المزدحمة الذي تقطنه الطبقة العاملة بمدينة الدار البيضاء، أكبر مدن المغرب.

نطاق اختصاصها هو القسم النسائي بالمسجد: غرفة مستطيلة طويلة، فوق الحرم المُخصَّص للرجال فقط، وهناك تحاذي كراسيّ بلاستيكية حواف السجاجيد البالية، ويوجد جدار من النوافذ المغلقة التي تواجه القبلة، وهي الاتجاه الذي يشير إلى مكة المكرمة، أقدس المدن في الإسلام، بحسب المجلة الفرنسية. حصلت زينب على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، ومع أنَّ القرآن يحظر إمامة الصلاة على النساء فإنَّ مسؤولياتها الأخرى تشبه مسؤوليات الإمام: فهي تلقي الدروس، وتُقدِّم النصح، وتواسي المرضى والثكالى. وتتمثل وظيفة زينب، بصفتها مرشدة، في تعزيز تعليم وحماية حقوق المُصلِّيات الإناث، بالأساس عن طريق تعليمهن ما الذي يقوله القرآن عن مكانة النساء في الإسلام، وكذلك عن طريق تثقيفهن بشأن الرعاية الصحية والحقوق القانونية، بالإضافة إلى موضوعاتٍ أخرى. تضيف فاطمة آيت سعيد، التي تعمل بمسجد مكة في العاصمة الرباط: «إنكِ تعيشين فعلاً مشكلات النساء، إنَّها ليست مجرد وظيفة تقومين بها من أجل المال، بل يتعين أن تكون رسالة».

مرشدات ضد التطرف

وُلِد برنامج المرشدات رداً على التطرف ففي عام 2003، قام 14 انتحارياً –معظمهم بين سن 20 إلى 23 عاماً- من منطقة سيدي مومن، وهي بلدة صفيح على الأطراف الشمالية الغربية للدار البيضاء، بتفجير أنفسهم في عدة مواقع، بينها مطعمٌ إسباني ومقبرة يهودية، في هجومٍ كان يستهدف اليهود والأجانب، وأسفر في النهاية عن مقتل 33 مدنياً.

وفي بلدٍ لطالما افتخر بتفسيره المتساهل للإسلام، أقنع الهجوم رأس الحكومة المغربية، الملك محمد السادس، بإعداد برنامج لتدريب المرشدين الدينيين. وسيتعلَّم هؤلاء المرشدون كيفية تعريف المعتقدات الدينية، التي تتصادم مع النسخة المغربية من الإسلام وتصحيحها، داخل وخارج البلاد. وكان يُعَتقَد أنَّ البرنامج سيصبح نوعاً من اللقاح ضد التطرف.

وتوافق البرنامج كذلك بصورة جيدة مع موجة الإصلاحات الرامية لتحسين وضعية المرأة المغربية التي أطلقها الملك محمد السادس. ففي السنة نفسها التي وقعت فيها هجمات الدار البيضاء، دعا الملك عالِمة دينية لإلقاء محاضرة في القصر خلال شهر رمضان، وهي أول امرأة يُسمَح لها بدخول القاعة، ناهيك عن أن تدخلها كمتحدثة. وفي عام 2004، راجعت الحكومة قانون الأسرة، وحدَّدت سن الزواج بـ18 عاماً، ومنحت المرأة الحق في الطلاق، والسلطة القانونية لتوقيع عقود زواجها، بدلاً من اشتراط قيام أحد أوليائها الذكور بذلك.

وأدخل محمد السادس امرأة إلى رابطة العلماء، أعلى سلطة دينية في البلاد، بحسب المجلة الفرنسية. ثُمَّ في عام 2005 بدأ أول برنامج تدريبي للمرشدات والمردشين في العاصمة الكوزموبوليتانية (التعددية المنفتحة على العالم)، الرباط. اختير المائة رجل وخمسون سيدة الذين قُبِلوا بدقة، وتضمَّنت شروط القبول الحصول على درجة البكالوريوس، وحفظ القرآن (حفظ نصف القرآن للنساء، والقرآن كاملاً للرجال). وبمجرد التحاقهم، درسوا العقيدة والشريعة، ودرسوا أيضاً الفلسفة والتاريخ والأديان المُقارنة وعلم النفس. وضمنت الحكومة توظيف كل الخريجين في المساجد المنتشرة بأرجاء البلاد.

المزيد من النساء إلى البرنامج

ومنذ انطلاق البرنامج، تضاعف عدد النساء المُتقدِّمات للالتحاق به سنوياً، وصارت المدرسة منذ ذلك الحين ناجحةً للغاية، لدرجة أنَّها انتقلت من المقر في إحدى المدارس التي تعود إلى القرون الوسطى في ضواحي مدينة الرباط القديمة، إلى حَرَمٍ جديد متلألئ بجوار الجامعة. وأثبت البرنامج، الذي يجذب الآن طلاباً من مختلف أنحاء إفريقيا ومناطق من أوروبا، شعبية كبيرة؛ إذ تقدَّم ألفا شخص –نصفهم من النساء- هذا العام لشغل 250 مكاناً متاحاً. يقول عبدالسلام الأزعر، مدير معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات: «كل عام يخرج رجلان أو ثلاثة، لكن لا تخرج أي نساء، إنَّهن جادات».

وتظهر الجديّة في جلسات ما بعد الظهيرة التي تُعقَد للطلبة الأجانب –معظمهم من إفريقيا، لكن هناك أيضاً طلبة من فرنسا وبلدان أخرى بها عدد مُعتَبَر من السكان المسلمين- الذين ربما ما زالوا يعانون لتعلُّم اللغة العربية أو تذكُّر القرآن. تُركِّز سهام بوطيبي، وهي طالبة وُلِدَت بمدينة ليل الفرنسية لأبوين مهاجرين من المغرب، باهتمام شديد على القراءة، لكنَّها تبتسم ابتسامة مَن يحب بوضوح ما يفعله، بحسب المجلة الفرنسية.

تقول سهام وهي تشير إلى حجابها: «لَطالما أردتُ أن أكون مُعلِّمة، لكن في فرنسا يجري التمييز ضدك إن كنتِ ترتدين الحجاب. يوجد هناك طلب بأنَّ عليكِ أن تُغيِّري من نفسك كي تدرسي، لكن هنا، لم أضطر لمواجهة عملية التخيير هذه، وهذا مثير، لأنَّ النساء سيُدرِّبن الجيل القادم». تتعلم سهام وزملاؤها، باعتبارهم سفراء في طور الإعداد، أنَّ الإسلام يتبنّى التعايش السلمي بين الأديان، وليس التسلُّط على من يُسمَّون بالكفار، وينظر إلى الجهاد باعتباره كفاحاً روحياً داخلياً أكثر من كونه حرباً ضد غير المؤمنين. ويتعلَّمون كذلك أنَّ الدين نفسه لا يُميِّز ضد المرأة، وأنَّ أي اختلافاتٍ تنبع من الأدوار الاجتماعية التي تحددها التقاليد. وبعد انتهاء سهام من صفّ التلاوة، وشروعها في لملمة كتبها للذهاب إلى الصالة الرياضية بحرم المعهد، الذي يكون متاحاً للنساء لمدة ساعة فقط، بدءاً من الساعة 4:30 عصراً، قالت: «كلنا سواءٌ في الإسلام»، بحسب المجلة الفرنسية.

المساواة ليست هدف البرنامج

ومثلما توحي الفُسحة الزمنية المحدودة لممارسة التمارين، فإنَّ المعهد نفسه ليس متكافئاً تماماً. فبالإضافة إلى عدد الساعات الأقل المتاحة لاستخدام الصالة الرياضية، تحتفظ النساء بالمقاعد الخلفية في قاعات المحاضرات. وبمجرد تخرجهن، لا يمكن أن تصبح أيٌّ منهن إماماً. ويجادل بعض المنتقدين، مثل الباحثة الإسلامية النسوية البارزة والطبيبة أسماء المرابط، بأنَّ البرنامج لا يزال يستنسخ «رسالة أبوية». مع ذلك، تشير د. آن ماري واينسكوت، أستاذة العلوم السياسية بجامعة ميامي الأمريكية، إلى أنَّ المساواة ليست في الحقيقة هي الهدف من البرنامج، بحسب المجلة الفرنسية.

توضح: «التدريب الذي تحظى به المرشدات جيدٌ تماماً، ومثل كافة الوظائف الحكومية، الوظائف التي يحصلن عليها بعد التدريب تكون مستقرة وذات راتب جيد. لذا من هذا المنظور، فإنَّها تُحسِّن وضعيتهن، لكنَّ تكوين المرشدات كان في المقام الأول وبالأساس خطوة استراتيجية من طرف الحكومة المغربية، لتوسيع نطاق البيروقراطية الدينية، الأمر لا يتعلَّق فعلاً بتمكين النساء». وبالعودة إلى مسجد مكة، تراوغ فاطمة آيت سعيد (33 عاماً) في الإجابة عن سؤال ما إذا كانت ستصبح إماماً إن كان بمقدورها ذلك. فتقول: «لا توجد أمثلة على أئمة من النساء في القرآن. من فضلك، هذا كما لو أنَّك تسألينني عما إن كنتُ أريد الذهاب إلى المريخ». مع ذلك، لا تعني حقيقة أنَّ البرنامج لا يهدف لتقديم نموذج صارم للمساواة المُطلَقة أنَّ التغيير في أدوار وحقوق المرأة ليس أمراً مثيراً للإعجاب بشدة.

على سبيل المثال، نظَّمت فاطمة عيادات نسائية صحية في المسجد، من أجل النساء اللاتي قد لا يحصلن على الفحوصات الطبية بطريقةٍ أخرى، وأحضرت خبراء للحديث عن دور النساء في المجتمع. وفيما يتعلَّق بالنساء في مسجدها، تُعَد فاطمة مستشارة وداعِمة، وهو دور مهم في بلدٍ لا توجد به إلا قليل من الخدمات الاجتماعية الخاصة بالنساء، اللاتي يعانين العنف المنزلي، أو الاكتئاب، أو الإرهاق الشديد الناتج عن تربية الأطفال.

ماذا استفادت النساء؟

في أحد الأيام، بمطلع شهر مايو الماضي، طلبت فاطمة بعض التعليقات من المُصلّيات بشأن ما استفدنه منها كمرشدة. فقالت امرأة متوسطة العمر إنَّ فاطمة علّمتها تلاوة القرآن، وقاطعتها أخرى لتقول إنَّها تعلَّمت الصلاة. واتفقت معهما امرأة عجوز، تضع غطاء شعر وردي اللون، وقالت: «علَّمتني فاطمة كيف أستخدم الهاتف»، ما أثار ضحك النساء الأخريات.

لكن كان رد زورة، وهي أم شابة، هو ما لاقى الاستحسان. إذ قالت بهدوء: «علَّمتني كيف أحل مشكلةً». تعترف فاطمة أنَّ الرجال في ثقافتها يمارسون سلطة أكبر، تماماً كما تعترف أنَّ الرجال أكثر ميلاً للتصرف بعنف، أو تبنّي الأفكار المتطرفة، لكنَّها ترى أنَّ عملها بين النساء نوع من القوة الناعمة. فتقول: «النساء هن قلب الأسرة، وهن مَن يُشكِّلن السلوك، الأمر الأهم الذي نفعله باعتبارنا مرشدات هو نقل الأفكار إليهن، حتى يمكن للنساء ان يُصبِحن الحل للمشكلات. وسيحذو الرجال حذوهن»، بحسب المجلة الفرنسية. منح البرنامج أيضاً فاطمة ثقةً أكبر في نفسها.

وقد تخلَّت فاطمة، الطالبة السابقة في مجال الاقتصاد عن العمل في مجالها، لأنَّ الأسرة لم تعتقد أنَّه عمل ملائم للنساء، لكن الآن تفكر فاطمة، التي باتت متزوجة من زوجٍ داعم ولديها طفلان وسنوات من الخبرة كمعلمة وأصبحت قائدة ناجحة، تفكر في العودة إلى دراساتها الاقتصادية. وتقول: «لِمَ لا؟ هذا حلمي».

خطوط الدفاع الأولى لمجابهة التطرف

وبحسب المجلة الفرنسية، تدرك المرشدات أنَّ وظيفتهن لا تنطوي على مجرد رفع مكانة المرأة، فلا يزال التطرف يتفاقم في البلاد، ويُعتَقَد أنَّ نحو 1600 مغربي سافروا إلى «خلافة» تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ذروة قوة التنظيم. وكانت زينب حيدرة نجحت في إحدى مدارس الدار البيضاء التي درَّست فيها، في إقناع الأولاد الذين بدا أنَّهم يميلون للتطرُّف برفض المعتقدات الأكثر تطرُّفاً. وبهذا الصدد، تُعَد زينب (وعالِمات الدين الأخريات) أول خطوط الدفاع ضد التطرف. وتأمل زينب أن تتبنّى البلدان الأخرى برنامج المرشدات (أطلقت تركيا بالفعل مبادرةً شبيهة). ولديها طموحات شخصية كذلك، فهي تُحرِّر رسالتها العلمية وتجهِّزها للنشر، وبدأت مؤخراً دراسة علم النفس، على أمل أن تصبح اختصاصية نفسية. لكنَّها تردَّدت عند سؤالها عمّا إن كانت تعتبر نفسها نسوية. فقالت مُبتسِمةً: «النسويات يهتممن بحقوق المرأة، ونحن أيضاً نهتم بحقوق المرأة، لكن من منظورٍ مختلف وحسب، من منظورٍ إسلامي». وتتوقف لتحتضن مُصلّية، ثُمَّ تعود بابتسامةٍ صغيرة. وتضيف: «ما أحبه هو مساعدة النساء على أن يَكُنَّ حرائر».